المتابعون

الأربعاء، 21 يوليو 2010

دكتورة علياء .. لا تُجيب النداء ..


https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEhPLtEZ8D8wavruGoA7iJ_76ICw9PecT-mtTBBd5wjvSRtBgUezWR8lRg0AX2A5m_EU0AvKh-OZR0sJzCNSYOxZGvJnVZvPYt9tSZbrDXFxnqaLaNARMQKseGReuFqyVS1ZtdK2koZ8TRw/s400/14092007-001.jpg

حسناً .. هذه لم يقوَ لساني على كتمانها .. كانت كل أصابعي منشغلة بشئ ما .. لا أقول ذلك كي أعطي نفسي عذرا و لكن .. دعوني أكمل .. ارتفع صوت جهاز النداء غاضبا .. ورغم أن هذه هي المرة الثالثة في دقيقة واحدة ,, ومن أرقامٍ مختلفة.. إلا أني اسرعت بالاتصال عليها جميعا ..ولما وصلت إلى الرقم الثالث .. ردت الممرضة التي طلبتني فأجبت ب :أهلا دكتورة علياء تتحدث.. وجاءني الرد : أنا لا أسمع شيئاً !! ثم أغلقت السماعة .. لم أفكر كثيرا ,, أتممت ما طلب مني في المكالمتين .. وتوجهت إلى الدور الثالث لمتابعة مريضتي المصابة بالفشل الكلوي .. وقفت عند استقبال الجناح أكتب في ملفها أمرا بالأدوية و التحاليل اليومية .. تذكر البيجر أنه كان غاضبا .. تأملت بدوري الرقم الذي طلبني لأجده رقم الهاتف الذي ينحني على ذراعي اليسرى !! وأن الممرضة تقف جانبي تماما !! ولما هممت أن أخبرها بوجودي ناداها أمرٌ هام فتابعت الغوص في الملف .. بعد دقائق جاءتني هذه الممرضة و قالت لي هل تعرفين دكتورة علياء؟ فقلت لها : نعم ,, قالت : لأني أتصل بها لكنها لا تجيب النداء .. فغضبتُ من هذه الطبيبة التي اسمها علياء :) .. سألت المرضة الحزينة أهون عليها.. ما هو الهاتف الذي استعملتيه ؟؟ الهاتف الذي كلمتيها منه تتعطل سماعته أحيانا .. ثم سألتها عن سبب اتصالها المتكرر .. فأجابت بشئ يتعلق بمريضة ليست تحت متابعتي ,, فقلت لها دكتورة علياء لا تتابع هذه المريضة و بلغتها باسم الطبيب المراجع و رقمه .. ثم ابتسمت و قلت لها : بالمناسبة ,, أنا دكتورة علياء !!

التسعينية,, ما هي الحياة ؟؟



بالأمس تسلمت أمور مريضة تسعينية تعاني من سلسلة طويلة من المشاكل الصحية منها جلطات متكررة في الدماغ .. لا ترى .. لا تتكلم .. لا تستجيب .. لا تتحرك .. مقعدة في الفراش طوال الست سنوات الماضية على الأقل.. كانت المشكلة التي أتت بها هذه المرة يومان متصلان لم تأكل فيهما ولم تشرب إلا يسيرا جدا جدا .. أحضرها ولدها وشرح لنا حالتها .. المهم وجدنا أن مستوى الصوديوم مرتفع جدا (160 ,, الطبيعي لا يتجاوز 145 ) فقمنا بتنويمها بالمستشفى .. بعد التاريخ المرضي اتجهت حيث الفحص السريري ,, بدأت بالملاحظة والتأمل والسلام .. توقفت حين رأيت صورة من الذاكرة قديمة جدا ( أعتذر عن استعمالي المتكرر لكلمة جدا ) .. خمسٌ من السنوات مضت على هذه الصورة .. ربما .. كنت في صالة الموت في كليتي لأول مرة .. كانت الأجساد الآدمية في كل مكان .. نائمة .. جالسة .. أو حتى واقفة ( أو معلقة في السقف !! ) هذه الملامح التي رأيتها بالأمس القريب لا تختلف أبدا عن الصورة التي لم تختفِ من ذاكرتي منذ سنوات .. الأسنان مفقودة و الشفاه اختفت معالمها و غاصت داخل تجويف فموي جاف و مفتوح دائما .. الجلد تجعد حتى مل منحنياته وخطوطه .. عظام الوجه بارزة لحد مخيف .. كأن الروح تسحب تدريجيا و قد بدأت بالراس و العنق و الجذع والأطراف الأربعة .. فماذا بقي ؟؟ ولماذا أكره هذا الشعور الذي اراه يتسلل من بين الكلمات .. هؤلاء هم أولادها وأحفادها .. لم يقولوها صريحةً لكني سمعتها و امتعضت لسماعها .. نحن ننتظر الــــ ... المرة الماضية من ثمانية أشهر كنا نستعد للــ .. لكن للغرابة مرت ثمانية أشهر !! سبحان من كتب أن تبقى هذه الروح داخل هذا الجسد !! و سبحان من قال :( ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا"الحج/5 .. إما الوفاة أو أرذل العمر .. لا يعلم من بعد علمٍ شيئا .. هي الحيرة التي تصيبنا أنعالج أم لا؟ قد يكون بعض العلاج ضاراً أكثر من نفعه في هذا السن حتى لو احتاجه المريض .. هي الرهبة و انقباضات القلب العنيفة التي تتوالى عند ذكر الموت فمابالك برؤيته ؟؟ ما بالك بالحيرة حين لا تعرف أهي حية أم ميتة ؟؟ هل وجود الروح يكفي لوجود الحياة ؟؟ كم من روحٍ سارت بين البشر بالقتل والتعذيب و الأذى !! وكم من ميتٍ بقي حياً بعمله الصالح وولده الصالح !! وكم أتمنى أن يحسن الله ختامي و ختامها ..

الأحد، 11 يوليو 2010

*****@@@ أول يوم كطبيبة @@@***** رحلتي من المطار إلى المستشفى ..





بعد صلاة الفجر نظرت في ساعة الجوال كأني أول مرةْ أراها !! كان سؤال مشاغب يشاكسني : من أين يضبطون المنبه ؟؟ كان تركيزي يتهاوى مع مرور الوقت ويقترب من الصفر لم أعرف أهو لأني بحاجة فطرية أليمة إلى النوم أم لأن جوالي المعتاد قد انتحر فجأة دون أن يكتب رسالة وداع أو وصية !! أم لأني كنت في قلقٍ حيال أمر حقيبتي الأنيقة المعبأة بالخيرات ( والأمانات ) والتي كانت أجرأَ مني فرفضت بقوة أن تصطحبني خارج حدود عروس الأبيض المتوسط باقيةً في مطار برج العرب الدولي بالاسكندرية وطعنتني في ظهري بنظرة استهجان : أين عقلها تلك ؟؟ من ذا يترك إجازته هكذا بكل برود عائداً إلى الدوام ؟؟ ولو أنها جلست معي في حوارٍ أُخوي لشرحتُ لها التفاصيل ولأقنعتها بكل حنان أن من أنا مثلهم قد سخَّروا من حياتهم جزءا ليس بالهين لقاء حلمٍ جميل .. لكنها فضلت السكوت والتصرف بعشوائية و طيش .. ولا أدري إن كنا سنلتقي بعد هذا أم لا فأنا رغم حماقةٍ وجدتها فيها إلا أني أشتاق إلى لقائها .. وكاني بها الآن تذرف دموع الندم بعد أن علمت أن لا يد أحن من يدي عليها .. ولا أعلم مني بما في داخلها سوى رب العالمين !!

وحتى لا يكون حديثي كله وصفا لحادثة الحقيبة التي أول مرة أعيشها .. فليكن الحديث عن أمر عينيَّ .. هما أيضا أعلنا غضبهما من فكرة السفر .. ومن رحمة ربي أن لم يتركاني ... بيد أنهما انفعلا بحرارة و أشعلا النار إشعالاً .. و صبغا جدرانهما بالأحمر وأخذا يبكيان طوال اليوم رغماً عني .. لا لحزنٍ بل التهاب أتى هكذا.. وليكن , فقد كنت أحارب تأثير الضوء المؤذي بلبس النظارات الشمسية و التجوال بها في أروقة المستشفى ولا تسل عن العيون المتأملة و العبارات المعجبة بفتاة هوليوود المسلمة الجديدة التي تسير بحجابها .. وتعيش في الظلام وعلى شفتيها ابتسامة تحدٍ للمخرج الجديد الذي أقسم على أن الدور الأنسب لها هو حديثٌ في شأن فلسطين .. فبإمكانها استعمال الدموع خير استعمال بدلا من إهدارها !!

المهم .. كنت أمشي - بشكل أدق كنت أعرج -فقد نسيت أن أخبركم أن أحد الحقائب الغاضبة رغم أنها لم تكن حقيبتي إلا انها ألقت بجسدها الممتلئ على قدمي المسكينة فتورمت و تشنجت و التوت و تلونت و ...... ليكتمل سيناريو الغضب و حوار الصبر في مشهد تراجيدي مثير للشفقة..

والوجه المشرق لليوم لا أنساه لأني أحب و أجاهد أن أكون متفائلة ولو في أحلك الظروف - و ليس أحلك من ظلمة عشتها في وضح النهار طوال اليوم - فقد كان الفريق الذي سأعمل معه بإذن الله مكون من طبيبَيْ امتياز فاجآني بكرمهما العربي الحاتمي حين ناداني أحدهما بعد الاجتماع الصباحي لقسم الباطنة وتقاسما شرح الوضع و الحالات وفي انبهار تابعت كيف أن أحدهما يحفظ ثماني حالات بتفاصيلها ( في نفس واحد ) !! الله أكبر

حسنٌ إذن .. اليوم جاءني خبر قبولي بمستشفى التخصصي لقضاء شهر من الامتياز في مركز الأورام الخبيثة ماشاء الله .. لماذا إذن كانوا يقولون بصعوبته ؟؟؟ ولماذا يتكهنون بذلك في حين أن الأمر مؤقت ولا يستحق هذه الهالة من التعقيد حوله ! وحول كثير من الأمورِ غيرِه...
وقد تجلى معنى الدلع بعد ان تسلمتُ أمر مريضين اليوم - ماشاء الله مرة ثانية - ثم زاد بحنان الطبيبة المقيمة وحماسها الذي أنا على يقين بأنه مؤقت جدا جدا وله سبب غريب سأعرفه قريباً .. نمت ثلث ساعة كاملة ولذيذة في غرفة طبيبات الامتياز التي و لظروف البرستيج لن أذكر كم هي مساحتها !!!

كم هو لذيذٌ التغيير صعودا إلى العلياء الذي أرسم .. بفضل الله وحده ... بطاقة جديدة .. من رقم جامعي إلى رقم وظيفي .. بيجر ( جهاز نداء مزعج ) .. ممرضات يحتجن لأناملي الذهبية .. و مرضى أعود إليهم وإلى ملفاتهم بكل فضول الدنيا وشوقها .. وعقلي في عطشٍ إلى تعلم المزيد والمزيد .. فحماسي ليس جهلا بالواقع اللامنشود في حياة أطباء الامتياز .. ولكنه رغبة مني في جعله عاماً لا ينسى خيراً و أجراً و فائدةً .. اللهم لك الحمد .. من يصدق أن ستاً من السنوات قد مرت .. أستٌ مضت حقاً ؟؟ هل قفزتُ فعلا هذه القفزة من تلة الثانوية إلى تلة الوظيفة ؟؟ كم كانت غيبوة طويلة بكل المقاييس .. وكم أنا احترق رغية في تعويض الكثير .. وتعلم الاكثر ... واعتمادي على ربي ..

ماذا تحملُ لي يا غدُ ؟؟ وهل سأعيشُ في النور ؟؟ أم يوماً آخر من الظلام ؟؟ هل سترضى عني حقيبتي و تعود ,, و ترضى عني العينان فتبردان و تتوقفان عن الاشتعال ؟؟ هل سأبقى أعيش الحب ذاته لأيام ؟؟ أم سينتهي أمري بالثلث .. والثلث قليل !!!